
1968أكتوبر

1968
في شهر أوت 1968″ اتفقت شفويا » مع البعثات الفرنسية الى ارض أداليا في المحيط المتجمد الجنوبي للمشاركة في رحلة دراسية- بحثية الى القطب الجنوبي لمدة ثمانية عشر شهرا لمواصلة أبحاث من سبقني في المحطة القطبية وبالخصوص الأبحاث المتعلقة بالبطريق الإمبراطور.
وكان شرط انجاز العقد ألا يصل الى الأدارة في تلك الأثتاء ترشح مواطن فرنسي للمهمة. قضيت فترة الأنتظار تلك في دراسة كدس الوثائق التي وفرتها لي البعثة وتشتمل على كتب وتفاريرعن البعثات السابقة الممتدة على سنوات طويلة.
في الأسبوع الأول من شهر أكتوبر 1968 دعيت ببرقية لمقابلة بول أميل فكتور مديرالمعهد القطبي الفرنسي الكائن بمتحف الأنسان أو العلوم الطبيعية في باريس. كنت أتصور أنه يدعوني لأمضاء العقد وتحديد موعد السفر الى القطب الجنوبي ضمن البعثة الفرنسية لتلك السنة.
استقبلني العالم الفاضل بترحاب كبير ودعاني للجلوس. وأعلمني بكل لطف أنه اضطر للتراجع عن اختياري ضمن البعثة لأنهم تلقوا ترشح مهندس فرنسي سيشارك في PAUL EMILE VICTORالبعثة في اطار الخدمة الوطنية بحيث أنه لا يكلفهم رواتب لمدة ثمانية عشر شهرا. واعتذرلي …
شكرت الرجل أن عشت معه ثلاثة أشهر من الأحلام على هذا المشروع وودعته. والحقيقة أني كنت اسفا وحزينا على سوء حظي, فقد تبخر حلمي بالرجوع الى تونس بعد مدة البعثة بتجربة فريدة لا أحسب أن عربيا سبقني اليها وبمبلغ مالي محترم يساعدني على تحسين أحوال العائلة وبدأ حياتي في ظروف مريحة. كان الراتب الشهري المتفق عليه خمسة الاف فرنك أي ما يعادل خمس مرات الأجر الأدنى في فرنسا وقتها حسب العقد دون أي مصروف فكل نفقات العيش على عاتق المعهد.
عندما خرجت من المعهد توجهت مباشرة الى جامع باريس الذي لم يكن يبعد عن المعهد سوى عشر دقائق مشيا على الأقدام.
لو قيل لي يومها أنني سأرزق يوما بولد سيتسلق خمسة أعلى قمم العالم وهو في عمري لما صدقت.
كان الجامع خال من المصلين والزوار وحتى الحارس الجزائري القبائلي الذي كنت أتبادل معه الحديث وأسأله عن البلد كلما وجدته على باب الجامع فقد اختفى. دخلت الباب الكبير ودرت يمينا ومررت بقاعة صغيرة تباع فيها التذاكر للزوار ثم درت يسرة لصحن الجامع فاذا بشاب يقف على يمين الباب لاصقا للحائط…سلمت عليه فرد علي السلام وفهمت من لهجته أنه تونسيا ومع ذلك سألته ان كان تونسي؟ فقال نعم فقلت له انتظرني دقائق أصلي العصر وأجيك.
وكان الأمر كذلك. خرجنا مع بعضنا ودرنا يمينا في اتجاه محطة المترو جوسيو .اسمي أحمد المناعي وأنت ؟
.قال لي أن اسمه راشد الغنوشي وأنه قدم من سوريا حيث درس الفلسقة وأنه يريد أن يواصل دراسته…
سألته ان كان يعرف اللغة الفرنسية فأجاب بالنفي. وقتها ذكرت له أن هناك مؤسسة تسمى « الأليانس فرنساز » تعنى بتعليم اللغة الفرنسية لغيرالناطقين بها وبالمجان فان أردت اصطحبتك اليها.؟. كنت أعرف هذه المؤسسة لأني كثيرا ما اصطحبت اليها بعض الطلبة المشرقيين الجدد في باريس. فوافق وتواعدنا على اللقاء في الأسبوع التالي.
حدثني راشد عن سوريا
في الذهاب والأياب من « الأليانس فرنساز » حدثني راشد عن سوريا وذكر لي أسماء بعض المثقفين والعلماء ومنهم الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي (الذي تذكرت اسمه بعد 45 عام يوم 21 مارس 2013 عندما فجره أبناء راشد صحبة 49 من المصلين في جامع الأيمان في دمشق).
وذكر لي أيضا أنه حمل السلاح دفاعا عن دمشق أثناء حرب حزيران 1967 عندما كانت عاصمة الأمويين مهددة باكتساح من القوات الصهيونية. لم أعلق على الأمر فأداء الواجب لا يستحق الاشهار وكان بامكاني أن أقول له أني تطوعت وشاركت في معركة بنزرت قي جويلية 1961 .
في ذلك الزمان ومهما كان عمر الشخص والطبقة الاجتماعية التي ينتمي اليها وسواء كان فقيرا أو غنيا كان مطالب بالهندام اللائق والحسن سواء كان ذلك في الشارع أو في الأدارة أو في المدرسة. حسن الهندام يفتح جمبع الأبواب وكان كذلك في تونس وفي فرنسا وفي كل البلدان الأوروبية التي زرتها منذ بداية الستينات. لا أدري كيف كان الحال قي سوريا التى جاء منها راشد ولكنه لم يكن …
من اللقاء الأول لا حظت أنه ينظر الى الأرض عندما يتحدث ويتجنب النظر الى محدثه.
خمس لقاءات في تسعة أشهر:
جامع باريس كان الى ذلك الحين الجامع الوحيد في فرنسا وفي تلك الأيام من سنة 1968فتح مواطن جزائري بيت صلاة صغيرا وجدا متواضعا في 15 نهج بلفيل وصادف أن تحول اليه محمود مجاهد الأمام المصري الذي كان يؤم صلاة الجمعة في الجامع الأكبر.
محمود مجاهد صديق وهو الذي سيكون أحد شاهدي في حفل زواجي وقد ساعدته في مراجعة واصلاح رسالته التي أنجزها مع جاك بارك عن « دور السينما في تفشي ظاهرة الخمور في مصرفي الخمسينات ».
كان يوجد في جامع باريس مقر « لجمعية الطلبة الأسلاميين في فرنسا » وهي جمعية دينية اجتماعية لا سياسية تأسست سنة 1963 على أيدي الأستاذ محمد حميد الله وبعض الطلبة المسلمين ومنهم السوداني حسن الترابي وكان للجمعية مكتب صغير في الطابق الأول على يسار المدخل الرئيسي للجامع.
يتبع