Poster un commentaire

تونس الغد: بناء قوّة سياسيّة معارضة


أحمد المناعي- جوان 2000

   لكي نخرج من مأزق عزلة المعارضة عن الجماهير الشّعبيّة واحتكار النّظام لكلّ الفضاءات السّياسية، ولكي نؤسّس لبناء جسور التّواصل بين المجتمع والمعارضة وتوفير سبل استعادة الأخيرة لزمام المبادرة، لا مناص من قيام قوّة سياسيّة واجتماعيّة، تستطيع تعديل موازين القوى القائمة وتفرض على السلطة تقديم التّنازلات المطلوبة، وأن تكون هذه القوّة قد قطعت مع كلّ العمران السياسي الذي بناه النّظام بكلّ مكوّناته الكاراكوزية ورموزه المضحكة وأوّلها الميثاق الوطني، وأن تتقدّم هذه القوّة، للتّونسيين وللعالم، بكل وضوح ودون لفّ أو دوران، كالقوّة القادرة على تولّي مسؤوليات قيادة تونس.

   ولا يمكن لهذه القوّة، بأي حال من الأحوال، ان تكون تجمّعا جبهويّا للتّنظيمات القائمة. فتحقيق ذلك بين حركات إيديولوجية، إسلاميّة وعروبية وشيوعيّة، لا تزال تتحارب ويقصي بعضها البعض، هو ضرب من المستحيل. وحتّى إذا تمّت المعجزة وقامت تلك الجبهة، فإنّها لن تؤخذ مأخذ الجدّ ولن تجمّع النّاس حول برنامج حكم، وتنتهي إلى تكريس القطيعة الحالية أو الجفاء، بين المعارضة والمجتمع الواسع وبشكل أكثر إحباطا للعزائم من ذي قبل.

   ولا يمكن لهذه القوّة السّياسية أن تقوم على أية فكرة إيديولوجية خلافيّة أو منفّرة لأيّ طرف، فردا أو جماعة، ولا أن تتموقع في غير وسط الخارطة السّياسيّة، و لا أن يكون لها من غايات غير قيادة تونس لإخراجها من مستنقع الدكتاتورية ودفعها في المسار الديمقراطي.

   ونعتقد أنّ نواة هذا التّنظيم السّياسي المأمول والضّروري، قائمة الآن في السّاحة التّونسية وهي ممثّلة في: التكتّل الدّيمقراطي للحرية والعمل.

   فقد نشأ هذا التّنظيم ضمن عمليّة إصلاح لانحرافات حركة الديمقراطيين الاشتراكيين، واتخذ منذ ميلاده مواقف مبدئيّة مشرّفة لم يحد عنها قط، ولا تزال قراءته للأوضاع التّونسية وتحاليله لطبيعة النّظام وتصوّراته للمستقبل، هي الأسلم على السّاحة.

   وقد ضمّ منذ نشأته الأولى، رجالا جاءوا من تنظيمات سياسية واجتماعية مختلفة ويملكون – من خلال مسارات ذاتية ثرية – ثقافة الحوار والتّفاوض ومنطق الدّولة.

   ويملك التكتّل الدّيمقراطي علاقات في صلب اتحاد الشغل وعلى هوامشه، كما أنّ له مداخله في مجلس الحريات وفي رابطة حقوق الإنسان. وقد استطاع أن يوسّع من حلقات أنصاره في تونس وخارجها وذلك على الرّغم من الحصار الأمني والإعلامي المضروب عليه منذ ميلاده.

   ونعتقد أنّ السؤال الوحيد الذي يحوم حول التكتّل الديمقراطي، يتمثّل في مدى استعداد قيادته لتجعل منه، وفي وضعه الّقانوني الحالي، حزب الطلائع الدّيمقراطيّة وأن تفتحه وتجعل منه ساحة كلّ الدّيمقراطيين دون اعتبار لانتماءاتهم السّابقة.

   على أنّ الانفتاح المأمول للتكتّل الديمقراطي للمناضلين الديمقراطيين والتحاق هؤلاء بتنظيماته، لا يكفيان وحدهما لتحويله إلى قوّة سياسية معارضة قادرة على تعديل موازين القوى في البلاد. فمثل هذه النّقلة النّوعية في التّنظم السّياسي ضرورية، إلاّ أنّها لن تفرض احترامها إلاّ بطرح القضايا الحقيقية والحيوية للمرحلة وللمستقبل وعرض الحلول اللازمة لها.

   ولا شك انّ تحديد كلّ ذلك يحتاج إلى ورشات عمل وحوارات ومفاوضات، إلاّ أنّه بالإمكان اقتراح محاور العمل التّالية :

  1) العمل على إرغام بن علي على الالتزام بالانسحاب من الحياة السّياسية في نهاية رئاسته الثالثة والأخيرة والمطالبة بإصلاح دستوري – ربّما حتّى مجلس تأسيسي – يضمن شروط التداول الديمقراطي على السّلطة.

  2) العمل على إعادة بناء الدّولة وإصلاح الأضرار الجسيمة التي لحقت بمؤسّساتها وهيكلتها بالقدر الذي يضمن استقلال السّلطات عن بعضها وحياد الإدارة في الصّراعات السّياسية والاجتماعيّة…

  3 ) العمل على تحرير الإسلام من الهيمنة الحالية للدّولة وأجهزتها الأمنيّة والسّياسية وحفظه حاضرا ومستقبلا من كلّ توظيف سياسوي وإرجاعه للعلماء والمؤمنين... والتدرّج به إلى مستوى المرجعية الدينية والرّوحية لجميع التّونسيين.

  4) العمل على توضيح ومراجعة علاقة الشراكة بين تونس والاتحاد الأوروبي وتفعيل التوجّه المغاربي، باعتبارهما المحورين المحدّدين لسمات المستقبل الاجتماعي والاقتصادي لتونس.

أحمد المناعي

Livre collectif: La Tunisie demain, juin 2000


[1]) راجع مقال أحمد المناعي ونور الدين الختروش: « تونس نهاية الحقوقي وبداية .. السياسي »، في: الحياة، 22 تشرين1 (أكتوبر) 2000.

Publicité

Votre commentaire

Entrez vos coordonnées ci-dessous ou cliquez sur une icône pour vous connecter:

Logo WordPress.com

Vous commentez à l’aide de votre compte WordPress.com. Déconnexion /  Changer )

Photo Facebook

Vous commentez à l’aide de votre compte Facebook. Déconnexion /  Changer )

Connexion à %s

%d blogueurs aiment cette page :