
يجدر بنا تذكير السادة والسيدات أعضاء البرلمان الأوروبي الذين صوتوا على مشروع القرار حول الأوضاع في تونس يوم الخميس 21 أكتوبر 2021 ببعض الحقائق التاريخية:
في يوم 23 جوان 1993 أدى الرئيس زين العابدين بن علي زيارة رسمية إلى البرلمان الأوروبي في « استرازبورغ » وكانت الخطوة الأولى في المسار الذي أدى الى توقيع اتفاقية الشراكة بين تونس والإتحاد الأوروبي في سنة 1995.
وفي نفس اليوم قام أحمد المناعي رئيس « تنسيقية الدفاع عن الحريات في تونس » بزيارة صديقه « مشال بباياناكيس » عضو البرلمان الأوروبي ممثلا للحزب الشيوعي اليوناني الذي صارحه بحقيقة المشروع الأوروبي.
ويتمثل المشروع في رغبة « الإمبراطورية الناشئة » التى كانت تتوسع بكل يسر في شرق أوروبا أن تتوسع أيضا في جنوب المتوسط حيث لم تجد غير تونس مستعدة لذلك. وأنه ان وقع توقيع اتفاقية الشراكة بين الطرفين فأن أوروبا ستحمي النظام التونسي إلى استكمال نهاية الاتفاقية أي بعد خمس عشرة سنة وسوف تلازم الصمت عن كل الانتهاكات لحقوق الإنسان وكل التجاوزات في المسار الديمقراطي وكل ذلك مضمون في البند الثاني من الاتفاقية.
السادة وسيدات أعضاء البرلمان الأوروبي
أن تسعينات القرن الماضي كانت صعبة جدا على التونسيين. فعلى إثر الكشف عن مخطط الفرع التونسي للإخوان المسلمين* المسمى النهضة بقيادة راشد الغنوشي الرئيس المجمد لمجلس نواب الشعب الحالي بمحاولة قلب النظام (المحاولة الثانية بعد محاولة 8 نوفمبر 1987) شن الأخير حملة قمع شعواء استمرت سنوات انتهكت فيها كل الحريات وكل المحرمات وكل الأعراض واعتقل فيها وعذب الآلاف ومات فيها العشرات تحت التعذيب.
وقد كان البرلمان وفيا لالتزامه الضمني بحماية النظام والسكوت عن كل انحرافاته طيلة هذه المدة ولم يتحرك إلا في حالات قليلة باهتة تهم بعض الشخصيات السياسية في سنة 1996.
وظل على هذا الموقف حتى عندما سرب موظفون شرفاء وثيقتين هامتين بعنوان » العائلات السبعة التي تنهب تونس » في سنة 1997 وهي المرة الأولى التي يكشف فيها الستار عن أحد وجوه الفساد المالي المستشري في البلاد.*
وقد كان مراقبو الاتحاد الأوروبي حاضرين في كل الانتخابات التشريعية والرئاسية التي عرفتها تونس من سنة 1988 إلى 2009 وكانت كل تقاريرهم راضية ومزكية لهذه الأنتخابات شكلا ومضمونا وحتى في سنة 2002 عندما وقع التحوير الدستوري وشمل 39 فصلا من جملة 80 فصلا للدستور ومنح الرئيس صلاحيات شبه مطلقة ومنحه حصانة كاملة ودائمة مدى الحياة لم نقرأ أو نسمع احتجاجا أو حتى مجرد تحفظ من البرلمان الأوروبي عن هذه الإجراءات في حين أن الواقع مخالف تماما.
السادة والسيدات أعضاء البرلمان الأوروبيأن
الكثير مما جاء في تقريركم عن الأوضاع في تونس صحيح ولا جدال فيه ولكن قراءتكم منقوصة أذ أنكم قرأتم الصفحة من تحت وبدأتم من تاريخ اتخاذ الرئيس قيس سعيد قراره بتفعيل الفصل 80 من الدستور وتجميد أعمال المجلس وكأن السنوات التي سبقت ذلك كانت فيها تونس جنة الديمقراطية حيث الناخبون يقبلون على صناديق الاقتراع بالملايين والانتخابات حرة ونزيهة ليس فها بيع ولا شراء- بلا دينار ولا أورو- ولا تزوير والنواب والحكومات المتتالية يعملون ليلا نهارا من أجل إسعاد المواطن ……
لو قرأتم الصفحة من البداية لاكتشفتم بأن تونس قد عرفت بعد 14 جانفي 2011 ثلاث أخطر ظواهر وأغربها عن المجتمع التونسي في تاريخه الطويل وهي الإرهاب والاغتيالات السياسية وتصدير الإرهابيين. ولا أحسب أنكم تجهلونها بل تجاهلتموها فقط رفقا بحلفائكم وعملائكم.
هل تعلمون أن تونس المسالمة عبر التاريخ قد أصبحت ساحة للعمليات الإرهابية وأكبر مصدر للإرهابيين في العالم على قلة تعداد سكانها. ولم نسمع احتجاجاتكم على كل ذلك كما لم نسمع باحتجاجاتكم على اغتيال ثلاثة من السياسيين التونسيين ولا مجرد الأسف لبيع حكام تونس (وكثير منهم كانوا لاجئين سياسيين في بلدانكم) البغدادي المحمودي الذي استجار بنا.
ان الذي حدث في تونس يوم 25 جويلية 2021 ليس بالانقلاب فهناك شبه إجماع لخبراء القانون الدستوري التونسيين وما أكثرهم.
ولفهم ما حدث وما أدى الى اجراءات 25 جويلية وجب الرجوع الى البدايات. فعند سقوط النظام السابق وفي أجواء الفوضى العارمة والصراعات السياسية والأيديولجية والمزايدات الدمقراطية التي عرفتها البلاد تشكل في الخفاء حكم شخص ……أصبح مع الأشهر والسنوات الحاكم الفعلي للبلاد. انه السيد راشد الغنوشي الرئيس الأبدي لحركته, فهو الحاكم بأمره مع كل الرؤساء وكل الحكومات وكل البرلمانات. غير أنه لم يكتف بهذا الدور الخفي وأراد دخول التاريخ كرئيس ولو مؤقت. فدخل الأنتخابات التشريعية سنة 2019 وانتخب رئيسا لمجلس النواب وبدأ يقضم في سلطات رئيس الجمهورية ويضخم من صلاحيات المجلس ورئيسه واخترع ما سماه بالدبلوماسية الشعبية ….وكانت ردة الفعل.
ويا ليتكم نصحتموه بالأنسحاب من الحياة السياسية فأنتم قادرون على ما عجز عليه كثير من النواب وحتى أصدقاء الغنوشي.وأخيرا لا بد من التذكير من أن المالية العمومية التونسية كانت سليمة الى حدود سنة 2010 وأن ما حدث في تونس بعد ذلك هو تكريس لمقولة جوهن أدامس الرئيس الثاني للولايات المتحدة الذي يقول »هناك طريقتان لتدمير أمة فاما بالحرب(حال ليبيا والعراق واليمن وسوريا) واما بالتداين وهو حال تونس .
..أحمد المناعي 26/10/21