2 Commentaires

أحمد المناعي: الحبيب المكني …كما عرفته


الحبيب المكني،      كما عرفته

الحبيب المكني هو من العناصر المؤسسة لما سمي في حينه بحركة الاتجاه الإسلامي في شهر ماي 1981. لم يكن من الشخصيات المعروفة في المجتمع التونسي اعتبارا لعمره وكونه طالبا وقد كانت زوجته معه في المكتب السياسي وأعتقد أن أعضاء الحركة اضطروا لذلك لرغبتهم في أن يكون هناك حضور نسائي في المكتب.

لا أذكر بالضبط متى وفي أي ظروف التقيته أول مرة ولكنني بالتأكيد عرفته قبل التأسيس في أواخر السبعينات مع راشد الغنوشي في تونس. لم ألتق به كثيرا لأني كنت في الجزائر في تلك العشرية لكني أذكر مناسبتين هامتين الأولى التقيت فيها معه وأبلغني طلب الغنوشي ترتيب موعد له مع عبد الله فرحات وزير الدفاع وقد تم ذلك في شهر نوفمبر 1978 كما تم لقاء ثان مع مصطفى الفلالي مدير الحزب الأشتراكي الدستوري(في الأسبوع الذي أقيل فيه من الحزب وسمي على رأس اللجنة المغاربية المشتركة) وثالث مع محمد الطالبي في داره.

حضرت اللقاء مع الفلالي فقد كان وديا وفهمت من الغنوشي أن جماعته كانت تريد الأنفتاح على المجتمع والتواصل مع شخصيات من النظام وهو ما كنت أشجع عليه. أما اللقاء مع الطالبي فقد كان لغاية توظيفه  فقد طلب منه أن يحاضر له في أحد المساجد التي كان ينشط فيها في قضية الأحباس. الغنوشي يعتبر الأحباس جزءا من العقيدة. لكن الطالبي رفض الأستجابة لطلبه.

أما لقائي الثاني بالحبيب فكان عندما ذهبت اليه في سيدي رزيق حيث كان يسكن لأطلعه على رسالة جاءتني من الأمارات العربية من زميل سابق سوري في جامعة قسنطينة. رسالة طويلة كلها ألم وخوف  يروي لي فيها هجرته من سورية إلى الأمارات عبر بادية الشام والعراق على إثر مجزرة حما ويحكي لي فيها عن مصير بعض الزملاء السوريين الذين عرفتهم في جامعة قسنطينة. كنت آمل أن ينشرها في الصحيفة التي كان يصدرها لكنه تعذر عليه ذلك.

  كذلك دعاني لسهرة في بيته التقيت فيها مع الدمني للمرة الأولى والأخيرة.

لقاء باريس:

سافرت الى باريس أواخر سنة 1981 لحضور المؤتمر العام « لمنظمة الأسلام والغرب ». كنت أنا ومحمد الطالبي هو كأحد المؤسسين للمنظمة الدولية ورئيس للفرع التونسي وأنا كممثل للفرع التونسي الذي كان قيد الأنشاء.

وبينما كنت في ساحة إيطاليا اعترضني الحبيب المكني بمحض الصدفة. الحقيقة أني لم أكن أعرف أنه في باريس ولا حتى أنه خرج للخارج بعد حملة الأعتقالات التي طالت صفوف حركة الأتجاه الأسلامي آنذاك,(لا بد من التذكير بالظروف التي تمت فيها).

https://www.realites.com.tn/2015/07/ramadan-1981-le-temoignage-de-ahmed-manai/),

التقيت في بيته مع حمادي الجبالي الذي عرفته قبل ذلك في تونس بأسابيع ثم نزل الستار عن علاقاتنا لسنوات عديدة، فقد تحولت للعمل في المغرب.

الصلة من جديد

في سنة 1989 بدأت العمل مع منظمة الأمم المتحدة في شرق افريقيا وأصبحت أسافر بانتظام بين نيروبي ونيوورك عبر باريس وفي إحدى المرات زرت الحبيب المكني وكان مستعجلا فدعاني إلى مصاحبته إلى لقاء في بيت أحمد بنور وكان اللقاء مع محمد مزالي وعمر صحابو والذي سيحدد مصيري ومصير عائلتي لبقية العمر.

 في صيف سنة تسعين كانت تصلني أصداء الإيقافات في تونس فكتبت رسالتين الأولي للحبيب المكني في باريس لأعرض عليه خدماتي ومساعدتي إن كان يحتاج لها ولكنه لم يرد عليها والثانية لكمال لطيف لأندد بالحل النهائي الذي اتخذه النظام في قضية النهضة، كنت أترصد الأوضاع من « البورندي ».

ألإيقاف في تونس

بعد إيقافي في تونس لمدة أسبوعين ثم تمكيني من جواز سفري والسماح لي بالخروج من تونس فأعدت العلاقة مع الحبيب المكني.

اتصل بي الحبيب في بيت أصهاري يوم 21 ماي 1991.

بعد يومين من وصولي باريس. كان لقاؤنا أمام مكتبه في ساحة « ستالينغراد » بباريس كان في سيارة مع الغنوشي الراكب من الأمام وبولعابي ولم أكن أعرف السائق.

في دار محمد المصمودي.

فوجئت أن توقفت السيارة عند محمد المصمودي أجلسنا الرجل في قاعة الأكل كنت على يسار المصمودي وكان الغنوشي واقفا على يساري بينما وقف المكني وبولعابي والسائق في الجهة المقابلة… كنت أروي لهم ما حدث لي في وزارة الداخلية وأحسب أن المصمودي قد أحيط علما بمقدمنا… وفي لحظة ما رأيت الغنوشي يسكب دمعة وهي شبيهة بالدمعة التي سكبها في اليوم الذي حضر فيه ندوة الأستماع الأولى للجنة سهام بن سدرين .

من الغد كان لنا لقاء مع شخص فرنسي في حديقة في « باب دوري »  علمت فيما بعد أنه المستشار البرلماني لوزير الخارجية الفرنسي. هؤلاء المستشارون هم في أغلب الأحيان عناصر من المخابرات وهو حال الرجل. المهم وقع الأتفاق على إفساح المجال وتسهيل النشاط الأعلامي لراشد الغنوشي, كان اللقاء تحت حراسة أمنية هامة,

ما ان رجعنا للبيت حتى دق جرس الهاتف

,كنت قريبا منه  فناولته السماعة: فلان من  إذاعة -ر -ف- ا- السيد راشد الغنوشي؟

لحظة فقط وناولت راشد السماعة

فقال لي تكلم أنت.

تكلمت عوضا عن الغنوشي

من الغد كان موعدنا مع قناة فرنسا ثلاثة. كنا أربعة : الغنوشي يسبقنا مع بولعابي ووراءهما المكني والمناعي. قبل أن ندخل الباب قال الغنوشي لبولعابي هذه لن نترك منها الا الأخبار,

وجب التوضيح.

في تلك الفترة كانت القناة « فرنسا الثانية » تبث في تونس في الليل وهي قناة دولية. أما القناة الثالثة فقد كانت تبث في فرنسا فقط وهو ما غاب عن الغنوشي.

لكن ما معنى ذلك؟ فما قاله كان بلهجة الامر الناهي

كنت المترجم وأيضا أحاول فهم الحديث وما وراء الحديث. ما معنى أن يجيب الغنوشي على الصحفي « كريستيان ملار »من القناة الفرنسية الثالثة يوم 22 ماي 1991 عندما سأله ما العمل عندفشل مخططك في فرض الحريات ؟؟ فأجابه:

« ça passe ou ça casse »

وهي الجملة الوحيدة التي لم أضطر لترجمتها

قبل أن نفترق يومها اتفقنا على تكوين لجنة إعلامية وقال الغنوشي: أحمد عبدالرؤوف الحبيب ثم أصلح عبدالرؤوف أحمد الحبيب.

في الأيام والأسابيع التالية كنت أسأل وأتساءل وأقرأ الصحافة العربية التي اهتمت بالشأن التونسي وتحدثت عن المحاولة الأنقلابية للنهضة ومن حين لآخر أفكر فيما قاله لي محمد القنزوعي عند خروجي من مكتبه « ستقرأ غدا في الصحافة أن النهضة قد قامت بمحاولة انقلابية ». ولكن ذلك لم يمنعني من الأدلاء بشهادتي عما يحدث في تونس: صحف اذاعات وتوزيع شهادتي….

منظمة: « تونس الدمقراطية الان

كنا محتاجين إلى جمعية تهتم حصريا بالشأن التونسي وتتابع أحداثه اليومية وتتحرك بسرعة كبيرة ومستعجلة وتكون في نفس الوقت ممثلة للطيف السياسي الحاضر في فرنسا..

مؤسسو منظمة: « تونس الديمقراطية الان »

اجتمع هذا الفريق مرتين في مكتب الحبيب المكني الذي كان الوحيد من المجموعة الذي كان يملك محلا مستقلا عن مسكنه كائن بساحة ستالين غراد. وبعد مناقشات طويلة وافق على القانون الأساسي وعلى البيان التأسيسي. مع العلم أن المازري حداد وقاسم عطشان شاركا في الحوار وانسحبا بعد ذلك ولم يساهما في التأسيس: 1) عبدالخالق التوكابري. 2) أحمد الشنوفي 3) طارق بن صالح من (حركة الوحدة الشعبية) و4) الحبيب المكني. 5) عبدالرؤوف بولعابي ( حركة النهضة) 6) أحمد المناعي.7) يونس عثمان(مستقلان). 8) فيصل الكعبي(ناصري) 9) المازري حداد 10) قاسم عطشان.

في شهر أوت انتهيت إلى قناعة بأن النهضة قد ارتكبت الجريمة فاتصلت ببولعابي وأعلمته بأني أنسحب من المكتب الأعلامي وعليه أن يعلم راشد بذلك. حاول أن يثنيني فأبيت.

قطعت مع بولعابي لكني أبقيت على علاقاتي مع المكني

وفي إحدى زياراتي له سمعته يقول بالهاتف بالفرنسية ما معناه « لقد رفضتم الفيزا لشخصية مدعوة لتحمل أعلى مسؤولية في البلاد…. ». سألته من يكون فقال لي رئيس المخابرات. فطلبت منه أن يذكره ببطاقة اقامتي…

يوم ثلاثة وعشرين من شهر سبتمبر واحد وتسعين كنت في قمة الغضب فقد هاتفتني زوجتي مليكة وقالت لي أن الشرطة قد أوقفت ابنتنا أميرة في معهد الوردانين. أميرة عمرها أكثر من أربع عشرة سنة بقليل,

المسؤول عن ذلك واحد اسمه الغنوشي. لكن كيف الوصول اليه؟

ما إن صعقني الخبر حتى اندفعت نحو مكتب الحبيب مشيا على الأقدام. كانت تفصلني عنه خمس محطات « مترو » كنت محتاجا للمشي بل للركض حتى لا أفكر.

عندما وصلت وقبل أن أصدمه بالخبر قلت له أن يبلغ صاحبه أنه فعلا حاول الأنقلاب على النظام وأن ما نعيشه هو فعلا من تبعاته… ثم حكيت له قصة ابنتي. « من الغد سيلحق بها أخوها بلال…هو أيضا سيقع إيقافه في مبيت الكلية في نابل.

في المساء عندما رجعت إلى بيتي اتصل بي الغنوشي وحاول أن يصبرني ولم ينكر اتهاماتي ويبدو أنه كان يحتفظ بأمل كبير في النجاح في مسعاه في النهاية.

بعد سنوات عديدة اجتمعت لدي معلومات ومعطيات كثيرة عن تلك الفترة ومنها ما قاله لي عبدالسلام الأسود بالهاتف.

  عبد السلام الأسود كان عضوا في الجهاز الخاص لحركة النهضة في الجزائر في خريف واحد وتسعين وهي الفترة التي اختفى فيها محمد شمام رئيس الجهاز والفترة التي سبقت ترحيل السلطات الجزائرية للغنوشي وكثير من رفاقه الى السودان.

يقول لي الأسود بالتلفون: « سعيت في تلك الفترة للاتصال بالغنوشي في الجزائر العاصمة وتوصلت بعد جهد جهيد وبقيت الساعات أشرح له أننا قد خسرنا كل مواقعنا وكل قوانا وأن محاولتنا والخطة قد فشلت بالكامل. »

يضيف الأسود: « ولقد حاولت إقناع راشد بأن ينقذ الجناح السياسي للحركة ويعترف بفشل المحاولة الأنقلابية ويحمل مسؤوليتها إلى مجموعة من الأشخاص – تطوع الأسود أن يكون على رأسهم- ولكنه أبى إذ بعد تفكير طويل سألني إن كان بالإمكان معاودة الأمر بعد خمسة أو ستة أشهر؟؟؟

الرجل الصامت:الأنسان:

لم أعرف يوما خطته أو مسؤوليته في الحركة سوى أنه يدير مجلة الأنسان الفصلية. ومهما كانت الخطة فيحسب للرجل الصامت أنه كان على جانب كبير من الحكمة. فقد كان من الأوائل الذين أدركوا فشل خطة الانقلاب من ذلك أنه عندما كثر عدد اللاجئين الذين وصلوا الى فرنسا بداية التسعينات توجه اليهم بهذه النصيحة « النهضة انتهت هي في أعداد الموتى وأنصحكم بأن (تدبروا روسكم) وتسعوا إلى التسجيل في دراستكم أوالعمل .. » هكذا قيل لي على كل حال.

على طول المدة التي كنت فيها على اتصال به سواء في تونس أو في فرنسا ظهر لي الرجل أنه يسمع أكثر مما يتكلم وأنه على هدوء كبير وله « دم بارد »، كما يقال. دبلوماسي بالفطرة ولوكان صهر الغنوشي لأمكن له أن يكون أول وزير خارجية النهضة.

ولقد تعرفت في السنوات الأخيرة على شخص أصبح من أصدقائي وهو الأستاذ محمّد عامر حكيمة ويدعى الناصر والذي راجع هذه الورقة وباقي الورقات مشكورا وكان رفيق الحبيب المكني في كلية الاداب 9 أفريل بتونس 1973/1974 وقد قص علي القصة التالية: « كنا أمام باب القسم أنهينا الدرس عند أستاذ ونترقب أستاذا آخر. فكنا بين القسم و »الكولوار » وفي القسم تشاجر طالب مع طالب آخر فسب الجلالة. سمعه الحبيب المكني وهو أمام القسم فدخل للقسم وتناول قطعة طباشير وكتب على السبورة: (المؤمن لا يسب الله لأنه مؤمن به ويعتقد في وجوده، والكافر لا يسبه بما أنه لا يعتقد في وجوده فكيف يسب من هو غير موجود أصلا في اعتقاده، إذن لا يسب الله إلا المتذبذب والملخبطة أفكاره) فنظر الطالب للحبيب المكني بحنق بدون أن يرد الفعل لأن حبيب المكني لم يكلمه ولم ينظر إليه.

قابلت الحبيب المكني مرتين بعد جانفي ألفين وأحداش ويبدو أن علاقاته قد ساءت مع راشد فقد اعترف لي أنه اضطر .

للصياح قبل الأذن له بمقابلته أما الثانية فقد سألته فيها: انضمامكم للأخوان قد تم في ستة وسبعين أو سبعة وسبعين؟ فأجابني هو كذلك.

الحبيب المكني قدم لي خدمة جليلة على المستوى الشخصي فقد توسط لي في كراء شقة عندما التحقت بي العائلة ولم يكن الأمر بالبسيط في تلك الفترة.

أحمد المناعي

باريس جوان ألفين واثنان وعشرين

رحم الله كل الموتى الذين ذكروا في هذا النص

  

Publicité

2 commentaires sur “أحمد المناعي: الحبيب المكني …كما عرفته

  1. Habib Mokni
    À :
    Ahmed Manaï

    sam. 18 juin à 22:17

    غفر الله لك سيدي أحمد ورحمك في الدنيا والآخرة.
    أكثر ما ورد في هذه الذكرايات تبخر من ذهني. ربما لأني لم أكن اهتم بتاريخ مسيرتي ولم أكن أفكر أو أتصرف لأبني لنفسي مجدا أو حتى لمجرد تسجيل الحضور. مع أني أثمن التدوين والتأريخ والتوثيق لغاية التوريث والشهود والاعتبار.
    أشكرك على الأخذ ببعض ملاحظاتي ورغم تحفظي على بعض التفاصيل فإني أقدر جهدك وحرصك على أداء الشهادة وتقديم الإفادة.
    حفظك الله ورعاك وأحسن خاتمتك.

  2. Alain Olivier Rémond attaché parlementaire du ministre des A E correspond de la DST

Votre commentaire

Entrez vos coordonnées ci-dessous ou cliquez sur une icône pour vous connecter:

Logo WordPress.com

Vous commentez à l’aide de votre compte WordPress.com. Déconnexion /  Changer )

Photo Facebook

Vous commentez à l’aide de votre compte Facebook. Déconnexion /  Changer )

Connexion à %s

%d blogueurs aiment cette page :