طاهر شقروش: تشتت العرب تزامن مع بروز الحركات الإخوانية وأقطاب قاطرة المشروع العربي حيدت عن طريق الحروب الأهلية
admin 11 يوم مضت حوارات اضف تعليق 290 زيارة
تستضيف مجلة “افريقيا المستقبل”، من تونس، في الحوار التالي الوجه الحقوقي طاهر شقروش* للحديث حول علاقة اليسار وعلاقة العرب بافريقيا تاريخيا والمشهد المستقبلي في القارة الافريقية في ظل الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية الحالية.
تونس- افريقيا المستقبل- حوار وفاء خالد
طاهر شقروش: تشتت العرب تزامن مع بروز الحركات الإخوانية وأقطاب قاطرة المشروع العربي حيدت عن طريق الحروب الأهلية
admin 11 يوم مضت حوارات اضف تعليق 290 زيارة
تستضيف مجلة “افريقيا المستقبل”، من تونس، في الحوار التالي الوجه الحقوقي طاهر شقروش* للحديث حول علاقة اليسار وعلاقة العرب بافريقيا تاريخيا والمشهد المستقبلي في القارة الافريقية في ظل الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية الحالية.
تونس- افريقيا المستقبل- حوار وفاء خالد
في ظل الأوضاع الراهنة كيف تقيم العلاقات العربية والإفريقية؟
إن المصير العربي والإفريقي مرتبطان ارتباطا كبيرا، نحن كتونسيين عرب وأفارقة، وجزء كبير من الأفارقة هم عرب. ارتباطنا يضرب جذوره في أعماق التاريخ… فالصحراء الكبرى لم تكن يوما ما عائقا أمام التواصل بيننا، لقد جمعتنا علاقات اقتصادية وثقافية متينة منذ القدم… بل إن تيارات التبادل التجاري العالمية ومسالكه كانت تتمحور حول فضائنا المشترك قبل اكتشاف طريق الرجاء الصالح… إضافة إلى أن الإسلام ومن خلاله الفرق والطرق الصوفية قد شكلت عنصر وحدة وانصهار بيننا.
ولئن كانت الحقبة الاستعمارية التي عشناها معا عامل عزلة وفتنة، فإن النضال المشترك ضد الاحتلال الاستعماري سرعان ما أعاد الأمور إلى نصابها فوجد الأفارقة في العرب خير نصير لهم في نضالهم ضد المستعمر ووجد العرب في الأفارقة أصدق حليف لهم في كفاحهم ضد الصهيونية وإسرائيل من اجل قضيتهم المركزية فلسطين.
واليوم مشاغلنا واحدة سواء تعلق الأمر بالتنمية أو مقاومة الإرهاب و الاستعمار الجديد. إن مشاكلنا متقاربة ولا يمكن تصور تطورنا نحن العرب بمعزل عن تطور إفريقيا. وما يثير القلق حقا هو الركود بل الانكماش الذي عرفته العلاقات العربية الإفريقية خلال الربع قرن الأخير وذلك بسبب تدهور الأوضاع العربية وكذلك الإفريقية. لقد فقد العرب قدرة التحرك كقوة موحدة حيث لم يعد لديهم خطة قومية ومشروع تحرر، هم يتآكلون ويتقاتلون كما أن إفريقيا تنخرها الحروب الأهلية وتفتك بها الانقلاب العسكرية. لذا وجب الاهتمام أيضا بما يجري بآسيا و بأمريكا اللاتينية فهي مجال العمل المستقبلي.
أليست هذه هي النظرة التي حددها زعماء حركات التحرر حين تجمعوا في افريل 1955 بون دونغ باندونيسيا وكذلك فعلوا رؤساء الدول الإفريقية حين تجمعوا بأديس أبابا لتأسيس منظمة الوحدة الإفريقية عام 1963.
إنني جدا سعيد ببعثكم مؤسسة “إفريقيا المستقبل”، أعتقد أنها مبادرة طيبة، جاءت في الوقت المناسب. “إفريقيا المستقبل” هذا زمانها كمشروع إعلامي يمكن أن يفتح أبواب التواصل بين العرب والأفارقة نحو تعاون متبادل.
لقد اهتمت الدولة التونسية في بداية الاستقلال بإفريقيا ومن ضمن ثمار ذلك الاهتمام نشأة المؤسسة الإعلامية المعروفة”إفريقيا الفتاة” «Jeune Afrique» واليوم بعد ثورتنا يجب أن نتهم بإفريقيا ونوليها الأهمية التي تستحقها.
تحدثت عن أن العرب جزء لا يتجزأ من إفريقيا، برأيك لماذا تغيب إفريقيا في الاستراتيجيات العربية؟
إن العرب كثقل سكاني وفضاء حضاري-ثقافي-لغوي متواجدون بإفريقيا، ولكنهم كفاعل اقتصادي وسياسي غائبون. ومرد غيابهم، أنه مع مطلع التسعينات لم يعد للعرب مشروع قومي يرسم مكانتهم في العالم ويحدد دورهم فيه. وتبعا لغياب المشروع، أصبحوا عاجزين على صياغة إستراتيجية محددة تجاه إفريقيا أو بقية مناطق العالم. وما تجدر الإشارة إليه أنه مع مطلع التسعينات، عرف العرب انحدارا لا زال خطه متواصلا، لكنه تم على مراحل. في البداية، انقسم العرب إلى كتل و محاور متناحرة ثم أن هذه المحاور والتكتل تلاشت بدورها.
والملفت للانتباه أن هذا التفتت والتشتت تزامن مع بروز الحركات الأصولية الإخوانية وتنامي العدوان الخارجي، بحيث إن الأقطاب (الجزائر والعراق ومصر وسوريا..) التي كانت تشكل قاطرة المشروع العربي حيدت عن طريق الحروب الأهلية أو الاحتلال الخارجي… بمعنى آخر أن غياب إفريقيا في الاستراتيجيات العربية ينم عن غياب القرار العربي المستقل …
ولئن جاز الحديث اليوم عن إستراتيجية عربية تجاه افريقيا فهي إستراتيجية داعش وتوابعها، بكل ما تحمله هذه الإستراتيجية من مساوئ ومآسي… فحسب خطة محكمة واحدة وموحدة ، ينتقل المال والمقتلون والسلاح من الموصل إلى بنغازي، ومن نواق الشط بموريتانيا إلى أبوجا بنيجريا ومن مقديشو بالصومال إلى منبازة بكينيا رغم تدخل قوى امبريالية (مالي) وأنظمة محلية عتيدة….
ليس للعرب الآن مشروع قومي، هم منغمسون في مشاكل ومشاغلهم الداخلية: مقاومة الإرهاب والبطالة…. وفي أفضل الحالات يعملون بالوكالة لقوى عظمى…. يجب أن ننتظر طويلا ليستعيد العرب مكانتهم ويقظتهم ويفكرون في نطاق عمل مشترك.
كمناضل صلب اليسار، كيف ينظر اليسار التونسي والعربي إلى القارة الإفريقية؟
إن إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية هي ما نطلق عليه اسم “منطقة الزوابع” أي فضاءات الثورات الوطنية-الديمقراطية-الاجتماعية ولذلك أولى اليسار الجديد في تونس والوطن العربي، في مرحلة نشأته، اهتماما بالغا بهذا المجال من ذلك أن أول مظاهرة لطلاب الجامعة التونسية كانت تنديدا باغتيال المناضل الوطني باتريس لومنبا وكان دعم نضال الشعب الفيتنامي والكوبي ثم الفلسطيني بندا أساسي في مسيرة نضال اليسار التونسي والعربي ….
اليسار كان له دور كبير في دعم حركات التحرر، ساندنا كفاح كل من أنغولا والموزمبيق وغينيا بيساو وجنوب افريقيا، غير أن القمع الشديد الذي تعرضت له فصائل اليسار والانقسامات التي تولدت عن انسداد أفق تطوره بسبب الدكتاتورية والتكتيكات الخاطئة جعلها تنغلق عن ذاتها وتصرف اهتمامها عن “منطقة الزوابع” بل الخطر أنها أصبحت تولى اهتمامها لما يدور في أوروبا الغربية وهو ما تتقاسمه مع الطبقات والأنظمة التي تصارعها…
يجب أن نعيد مركز اهتمامنا و تفكيرنا إلى إفريقيا وأمريكا اللاتينية ونرتبط أكثر فأكثر بالحركات الاجتماعية والديمقراطية فيها والتي ما فتئت تنمو وتتطور، يجب أن نوحد جهودنا ونتجه نحو إفريقيا انطلاقا من المغرب العربي، لماذا لا نؤسس الرابطة الإفريقية للأحزاب التقدمية لمقاومة الاستبداد والاستعمار الجديد ومن أجل العدالة الاجتماعية.
وهنا لا بد من التنويه بما يقوم به الصديق حلمي الشعراوي المناضل اليساري المصري الذي أسس مركز دراسات افريقية بالقاهرة هو ينظم ندوات بغاية الأهمية ويصدر مجلة قيمة حول الدراسات الإفريقية وقد أعاد إصدار مجلة “الطليعة”، التي كان لها شأن كبير في الستينات وبداية السبعينات وكونت أجيال من المناضلين التقدميين.. هو من القلائل الذين حافظوا على الاهتمام بإفريقيا ولقد أعدنا ربط الصلة مع الرفيق حلمي الشعراوي ونفكر بان نقوم بأنشطة مشتركة بين المعهد المغاربي للدراسات الإستراتيجية ومعهده..
كيف تقيم تجربة اليسار في القارة الافريقية؟
بعد حصول البلدان الإفريقية على الاستقلال السياسي، انتصبت أنظمتها التي كان القليل منها وطني والكثير منها مجرد واجهات للاستعمار الجديد، و بتعلة المحافظة على الوحدة الوطنية، استعملت الفكرة القومية لتبرير إقامة أنظمة استبدادية قمعت في ظلها الأحزاب والمنظمات الجماهيرية وصدرت الحريات الديمقراطية وانتهكت الحقوق الفردية وهذا بمباركة ودعم من القوى الامبريالية التي أصبحت تتشدق بالديمقراطية وحقوق الإنسان وتستعملها ذريعة للتدخل في شؤون هذه البلدان.
كانت الستينات والسبعينات فترات مد وزخم، لقد كانت العواصم الأوروبية (موسكو، باريس، لندن…) والعربية (القاهرة، ثم الجزائر) مراكز تجمع الطلبة والعمال الأفارقة كانوا يتدربون لدى التيارات اليسارية ويعودون إلى بلدانهم لتأسيس مثيلاتها، وكانت الحركات الطلابية هي المنطلق والعديد من قادتها وصلوا إلى السلطة لكن السلطة مفسدة.
ولقد كابدت القوى اليسارية الإفريقية الويلات وعرف مناضلوها السجون بل والتصفية غير أن البعض منها أيضا اختار الاندماج في السلطات القائمة واقتسام المغانم مع المستبدين والعملاء. وخلال مرحلة الثمانينات والتسعينات، اكتسبت الرأسمالية بريقا كاذبا وزينة مصطنعة، بفعل تفكك منظومة الدول الاشتراكية وانهيار الإتحاد السوفيتي ولكن تتالي أزماتها الاقتصادية والمالية وتواتر حروبها العدوانية وانعكاساتها الكارثية على الصعيد الاجتماعي والبيئي كشف طبيعتها المعادية للإنسانية والتقدم .. ولكن الليل الأظلم الطويل بدأ ينجلي ومعه تنبلج تباشير الصباح الجديد. وفي ظل هذا الحراك لم تعد الانقلابات العسكرية ولا الحروب القبلية تعمر طويلا. في الوقت الذي يتجدد فيه الفكر اليساري الإفريقي ويكتسب نضجا جديدا.
لقد برزت تبعا لذلك عديدة الحركات الاجتماعية الاحتجاجية الجديدة العمالية والطلابية والنسائية والبيئية والتنموية المعادية للعولمة ومع ظهورها، ولى عصر تقهقر اليسار في العالم وفي إفريقيا أيضا. وما الانتفاضات التي هزت بلدان إفريقيا الشمالية (تونس ومصر…) إلا الإرهاصات الأولية لما يفتعل في حرم افريقيا… وكما تخلصت أمريكا اللاتينية من الدكتاتورية، ستتخلص منها إفريقيا أيضا.
في ظل الأوضاع الراهنة، هل مازال اليسار قادرا على استيعاب الجماهير وتكوين قاعدة شعبية صلبة؟
إن اليسار هو سبيل الخلاص للجماهير في إفريقيا. لن يستعاد الفلاحون والكادحون آدميتهم ويستمتعون بمواطنتهم إلا في ظل أنظمة تقدمية لذلك يبقى الفكر التقدمي أي الوطني الديمقراطي عامة و الفكر الاشتراكي خاصة هو بوصلة هذه القوى وأرضيتها لمقاومة الاضطهاد والاستغلال… إن الليبرالية و ردفيها الاستبداد وحاميهما الاستعمار الجديد هم العدو اللدود للشعوب الافريقية. الفكر التقدمي والاشتراكي منه بالخصوص هو القادر على القيام بإصلاحات اجتماعية وديمقراطية جذرية بإمكانها انتشال الجماهير من البؤس والخصاصة التي تعاني منها….
هناك إمكانية وصول اليسار إلى السلطة؟
هذا ممكن في عدد قليل من البلدان الإفريقية ومهم جدا وصول اليسار إلى السلطة ولكن ذلك ليس غاية في حد ذاتها. بل الأهم هو تنظيم الجماهير وتوعيتها وتعبئها للدفاع عن مصالحها وتطلعاتها، والجماهير حتى وإن وصل حزبها للسلطة يجب أن تبقى متيقظة وتبقى تنظيماتها النقابية مستقلة عن السلطة. إمكانية وصول قوى يسارية ضمن تحالف داخل جبهة شعبية واسعة ذات أبعاد وطنية وديمقراطية واجتماعية -الى السلطة واردة في عديد البلدان والسؤال الذي نطرحه كيف تتواجد في السلطة؟ يجب أن تترك للجماهير حرية الحركة أي حرية النقد والمعارضة والرفض للسياسات المتبعة… حين يتقاعس المتواجدون في السلطة باسم اليسار في الدفاع عن مصالح الجماهير الشعبية تستطيع هذه تغييرهم وبدون عناء كبير. اليست السلطة تكليف يسحب هذا التكليف متى أصبح القائم به غير قادر على الاضطلاع به.
هل أن برنامج الجبهة الشعبية يضع القارة الإفريقية ضمن اهتماماته؟
طبعا، تهتم الجبهة الشعبية بالمجال الإفريقي وبالبلدان الآسيوية وبأمريكا اللاتينية ولكنه اهتمام لا يدخل ضمن أولويتها على صعيد سياساتها الخارجية… وتبعا لذلك تفتقد الجبهة إلى سياسات محددة. إن الأمر متروك للصدفة. فليس هناك خلية داخل الجبهة الشعبية تهتم ببناء سياساتها وربطها علاقات متينة بالحركات التقدمية فيها لإقامة شبكات مع مثيلاتها من الأحزاب الإفريقية. ونعتقد أن هذا دور أساسي لدائرة العمل الخارجي لابد من بعث خلية إفريقيا ضمن العمل الخارجي للجبهة ويجب دعمها بالموارد المالية والبشرية الضرورية ويكون من أهدافها بناء جسور مع الحركات التقدمية الإفريقية والعديد من مناضلي الجبهة لهم علاقات متينة في مجال نشاطهم بالحركات الإفريقية المماثلة كالحركة النقابية والطلابية والحقوقية والنسائية والبيئية والتنموية الخ.. وكذلك في الأحزاب السياسية…. يجب أن نضع معا إمكاناتنا المشتركة كأفراد ومجموعات ونبني خطة واضحة حتى نستطيع التقدم بعيدا عن العمل الظرفي والمناسباتي.
ما يثير خشيتي حقا، إنه في الأمر وقع الأمر كاد الاتحاد الأوروبي أن يبتلعنا… لقد ربطتنا به مصيرنا وفي هذا المضمار لا فرق بين المعارضة والموالاة، ولا بين جمعيات مجتمع مدني والأحزاب السياسية، ونحن نساير ما تقوم به الحكومة ولا نسعى لتباين معها. إن هذه القاطرة الأوروبية محدودة الفائدة والإمكانات… يجب أن ننظر إلى عوالم أخرى أرحب.
كيف تقيم تفاعل العقل السياسي للجبهة من ناحية حضور البعد الافريقي؟
لا أخفي عليك أنه ضعيف وضعيف جدا، افريقيا هي مجالنا الحيوي المباشر القريب وهي لا تخلو من ورقات إستراتيجية كالثروات المنجمية والبترولية والتي تنهب من قبل الاستعمار، وغير بعيدا عنا هناك النيجر الذي يوجد به أكبر منجم يورانيوم وعديد الدول الإفريقية أصبحت منتجة للبترول والغاز…
القارة الإفريقية اليوم تشهد صراعا ومحاولة لتقاسم النفوذ فيها، برأيك هل هو صراع بين القوى الكلاسيكية والقوى الجديدة؟
لقد شهدت افريقيا الكثير من الحروب والعديد من الانقلابات حتى كادت تصبح مرادف للفوضى وقد زادت هذه الأوضاع تعقدا بعد تفشي ظاهرة الإرهاب (بوكو حرام، القاعدة، جيش الرب…) في مناطق عديدة. هناك مقاربات تقدم هذه الظواهر على أنها تعود بالأساس إلى عوامل داخلية وتضعها في خانة الحروب القبلية أو صراعات الزمر العسكرية المتعطشة إلى النفوذ والسلطة وأن أبعادها محلية محضة ولئن كنا لا ننفي أهمية هذه العوامل الداخلية في بروز هذه الظواهر، فإن تحكم العوامل الخارجية فيها أهم وأكثر تأثير.
تستقطب اليوم إفريقيا اهتمام القوى العظمى لأنها تزخر بثروات لا حصر لها، تثير لعابهم و يتصارعون للظفر بحصة منها. إن العالم يتغير اليوم بسرعة مذهلة. لم يعد الغرب مركز ثقله وأصبحت أوروبا مجرد رافد من روافده. ولو دققنا النظر في تحولات العلاقات التجارية الإفريقية لو وجدنا أن مكانة أوروبا مافتئت تتقهقر تباعا لصالح الصين والولايات المتحدة.
لقد عرفت، العلاقات التجارية الصينية مع إفريقيا، مع مطلع القرن الواحد والعشرين، قفزة نوعية بحيث انتقلت قيمتها من “عشرة مليارات دولار عام 2001 إلى 189.5 مليار دولار 2012 ويتوقع وصولها إلى 385 مليار عام 2015” في حين لم تبلغ قيمة المبادلات التجارية الأمريكية مع إفريقيا عام 2012 إلا 108.9 مليار فقط وهذا لا يجب أن ينسينا لاعبين جددا يحتلون دورا لا يستهان به كالهند والبرازيل وروسيا العادة بقوة بعد نكستها.
ولم تعد الصين ذاك التجار الذي يروج بضاعة زهيد الثمن ورديئة النوعية بل أصبحت مزودا أساسي للطاقة والمواد الاولية الافريقية المنجمية والفلاحية التي تضاعف طلب اقتصادها عليها. لقد أصبحت الصين أيضا مستثمرا كبيرا في إفريقيا ومنذ 2008 فاقت ولأول مرة استثماراتها المباشرة معوناتها من قروض وهبات بحيث أصبحت هذه الاستثمارات المباشرة تتواجد في جل البلدان الإفريقية وتغطي كل القطاعات الانتاجية من حقول النفط بالسودان والغابون إلى مناجم النحاس بزيمبابوي والفحم بزامبيا وبناء سدود بغانا وزمبيا وتشيد طرقات سريعة ومساكن بالجزائر وعملت على شراء أراضي شاسعة للفلاحة بالكمرون واوغندا و اثيوبيا.
ولما استفاق الغرب وأعلنها حربا سواء باسم الحوكمة الرشيدة ومقاومة الفساد و الدكتاتورية محملة الصين كل هذه الآفات التي رعاها لعقود من الزمن ولا يزال الى جانب الصين تعيد روسيا انتشارها بعد ما غيبتها البرسترويكة لسنوات وتنتصب في قطاع النفط وخاصة السلاح الذي تحرز فيه سبقا كبيرا.
وفي الطرف المقابل أي القوى الاستعمارية الكلاسيكية ثمة تغيير جدي في المشهد، في الماضي كانت أمريكا توكل إلى كل من بريطانيا وفرنسا وبدرجة ثانية اسبانيا والبرتغال ادارة الشؤون الرأسمالية والاستعمارية في افريقيا، يتولون بالوكالة حراسة مصالح العم سام لكن منذ مطلع التسعينات غير الأمريكان استراتيجيتهم وأصبحوا يهتمون أكثر فأكثر بإفريقيا ويعطونها أولوية وأصبح قادتها رؤساء ووزراء خارجية وخبراء يزورون مختلف البلدان الافريقية بشكل متواتر لدرجة أن الامريكان شكلوا قوة خاصة بهم للتدخل في إفريقيا. لقد تآكلت تلك القوة الفرنسية والقوة البريطانية وهي تعمل سرا وعلانية بالتعاون مع أمريكا على دعم تسرب اسرائيل إلى القارة الإفريقية بعد طردت منها وذلك بسبب غياب سياسة عربية.
هناك معطى جديد في غاية الأهمية ألا وهو انتشار الظاهرة الارهابية في دول الساحل الافريقي أي المنطقة الرابطة بين العرب شمالا والزنوج جنوبا والممتدة من الساحل الموريتاني إلى الساحل الصومالي مرورا بمالي والنيجر والتشاد وهي المنطقة التي تحوي بالتأكيد على مدخرات كبيرة من البترول والغاز و الأورونيوم والذهب و الالماس. إن الانتشار يوفر مبررا لتدخل القوات الاستعمارية (الفرنسية في مالي والأمريكية في الصومال). فالحركات الدينية المتشددة تفرخ حركات ارهابية ثم تدعو القوى الاستعمارية لمقاومتها.
هذه إذن خلفيات الصراعات التي تهز القارة الإفريقية والتي على ضوئها يمكن فهم تقسيم السودان وتدمير الصومال وليبيا وتفشي الإرهاب جنوب الصحراء.
أي من البلدان العربية تراها الأكثر اهتماما بمستقبل القارة؟
هناك ثلاث بلدان لهم اهتمام كبير بشأن الإفريقي. الأولى مصر لأن الفكر الناصري معادي للاستعمار والاستعمار كان يحاصر مصر ويضيق عليها الخناق ويعتدي عليها كما فعل في حرب السويس وعبد الناصر كان يسعى لفك هذا الحصار بالبحث عن حلفاء وفي كتابه “فلسفة الثورة” الذي صدر سنة 1954 كانت إفريقيا تشكل أحد هذه الدوائر الحيوية التي يجب أن تحتمي بها مصر وتحميها من الاستعمار وقد وجد وقوتها في نيكوما -غانا-وفي سيكوتوري غينيا خير سند له في نضاله من أجل دحض الاستعمار عن القارة. ولما استقلت الجزائر أصبحت لاعبا كبيرا في افريقيا واحتضنت كل حركات التحرر الافريقية ومدتها بالسلاح والتدريب والعون الدبلوماسي وكذلك فعل الرئيس بورقيبة بطريقته الناعمة ثم جاء القذافي الذي ملأ الدنيا وشغل الناس لقد فعل الكثير وقد اغتيل بسبب سياسته الإفريقية المعادية للاستعمار.
ولعل من الأهمية بمكان الإشارة إلى “المبادرة الإفريقية الجديدة ” التي تجمع كل من الجزائر ونيجريا وجنوب افريقيا والمتمثلة في مد طريق سريع من الجزائر العاصمة إلى أبوجا بنيجريا مرورا بموريتانيا ومالي والتشاد طوله ما يزيد عن 4000 كلمتر وقد كاد يشرف على نهاته إلى جانب مد خط أنبوب غار ينطلق من حقول نيجيريا ويزود البلدان التي يمر عبرها وبالقرب منها وتحتاج لذلك ليصل إلى وهران قصد التصدير ولئن اشرفت الدراسات الفنية المتعلقة بمسلكه على نهايتها فلا يزال البحث على تمويله مطروحا. والجدير بالذكر أن الطريق الإفريقية السريعة وأنبوب الغاز سيصاحبه خط ألياف بصرية لتطوير الاتصالات بين البلدان الإفريقية.
ماذا عن التوجهات الافريقية للمغرب؟
المغرب تقوم بسياسة تجارية مهمة وقوية في إفريقيا فالبنوك المغربية تغطي العديد من بلدان افريقيا الغربية والخطوط الجوية المغربية تغطي عددا لا بأس به أيضا وبعضها لا يمكن لها أن يتصل بالعالم إلا عبر الخطوط المغربية، لكن المشكل أن المغرب لم يتخلص من عقلية الوسيط بمعنى انه يضع قدراته وإمكاناته في الوساطة بين المتعاونين معه من البلدان الإفريقية والدول الأوروبية أي أنه لا يعمل لحسابه الخاص.
ولابد هنا من الإشارة أنه رغم نجاحات المغرب هذه فإن عائقا يقف أمام توسع نشاطها ألا وهو مسألة الصحراء الغربية التي بقيت معلقة وبدون حل. فقد اعترفت اغلب الدول الإفريقية بسيادة الصحراء الغربية على أراضيها وضمتها إلى منظمة الوحدة الإفريقية كدولة عضو وبصفة دائمة إضافة إلى الدعم اللامتناهي الذي تقدمه لها دول افريقية عديدة ومن الحجم الثقيل كنيجريا وجنوب إفريقيا وتانزانيا.. وهو ما دفع المغرب إلى الانسحاب من مؤسسات الاتحاد الإفريقي ومقاطعة أنشطتها. إن قضية الصحراء الغربية تبقى عقبة كداء أمام توسع النشاط التجاري للمغرب بإفريقيا.
من هي أكثر دولة عربية تهتم بالقارة الافريقية؟
أكاد أقول مصر ولكن سياساتها الفاسدة بعد رحيل الزعيم عبد الناصر صرفت نظرها عن إفريقيا وخسرت الكثير من مواقعها كما أن الاضطرابات الاجتماعية والسياسية التي تعيشها منذ ثورتها الأخيرة شغلتها وجعلتها تنكب على حل مشاكلها الداخلية ولكني على ثقة كاملة أن النظام الجديد والذي دشن عهده بفتح قناة سويس جديدة وبتمويلات وقدرات تقنية ومالية مصرية صرف سوف يولى اهتمامه لإفريقيا كما كان الشأن أيام عبد الناصر وكل المؤشرات تدل على ذلك.
لا شك أيضا أن الجزائر فاعل كبير تجاه القارة وهي التي نسجت علاقات تاريخية منذ ثورتها ورعتها حتى زمن محنتها. لقد ارتبطت الجزائر بعلاقات نضالية مع كل حركات التحرر الإفريقية التي كانت تجد فيها الملجأ والعون تتلقى التدريب والسلاح والمعالجة والعديد من قادة دول إفريقيا حين يزورون الجزائر يجدون جزء عزيز عليهم من شبابهم ونضالهم قضوه بالجزائر مكرمين مبجلين كما أن جزء كبير من الإطارات الإفريقية تعلمت وتدرب بالجزائر في شتى الاختصاصات، آلاف الطلبة الأفارقة درسوا بالجامعات الجزائرية وبمنح جزائرية ولا يزال متواجدين بآلاف. أنك لا تكاد تجد مهندسا إفريقيا مختصا في مجالات البترول والغاز دون ان يكون قد تعلم أو تدرب بالجزائر.
لقد شطب الجزائر كل ديون البلدان الإفريقية ولا تزال تقدم القروض والهبات بسخاء كبير وقد عملت أخير على تطوير شبكة طيرانها المدني بحيث يغطي كل البلدان الإفريقية ويربطها بالعالم وبالوطن العربي كما أن شبكة من الطرقات العابرة لصحراء قد وقع تطويرها. إن إمكانات الجزائر المالية وكذلك القدرات البشرية هامة وهامة جدا ولكن ذلك، غير كاف بالمرة، فالمبادئ السياسية والتوافق الفكري لوحدهما غير كافيان لبناء تعاون اقتصادي مستدام كما لا يكفي التبادل التجاري لوحده. إن الاستثمار الصناعي والفلاحي في البلدان الإفريقية هو السبيل الصحيح وهو ما صارت على مناوله الصين الشعبية. ولذلك هي ترسخ أقدامها بإفريقيا وبشكل ثابت ولا بد أن يتم ذلك على قواعد جديد مخالف لسياسات الدول الامبريالية. اي يجب أن تبنى على مبادئ جديد منها الإنصاف والمساواة والحرية
ماهو تقييمك للنخب الإفريقية في القرن الماضي؟
لقد حققت النخب الإفريقية في القرن الماضي مكاسب كثيرة رغم محددية تكوينها وقلة عددها وارتباطها بالمنظمات التقليدية. لقد تخرجت هذه النخب من رحم المجتمع التقليدي التي تحمل بصماته (العشائرية القبلية، الفكر الغيبي…) كما حملت أيضا تأثيرات الفكر الاستعماري حيث كان تحتقر ثقافتها وبني وطنها.. ولكن مع ذلك كان من ضمنها من يحمل فكرا نيرا وطني وتقدمي.
لقد نجحت هذه النخب في تحقيق الاستقلال السياسي لبلدانها وبعضها طرد المستعمر شر طرد وهذا انجاز كبير حلمت وتعذبت من أجله أجيال وأجيال عرفت الصخرة والاضطهاد و المهانة. ولا يمكن بأي حال من الأحوال بخس هذا الإنجاز بسبب المصاعب والهنات التي تسببها الأنظمة الدكتاتورية.
أن ما حققته دول الاستقلال من مكاسب اجتماعية (تعليم صحة وسكن..) واقتصادية( تأميم، طرقات، سدود…) في بضع سنوات، عجز المستعمر على تحقيقه خلال عشرات السنوات. لذلك لا نقبل بتمجيد الاستعمار وإضفاء مشروعية عليه لا يستحقها، أنه عمل إجرامي من حققنا مطالبة الاعتذار بل والتعويض على ما سببه لشعوبنا وبلداننا..
وقد صاحب هذه الانجازات التي كانت وترتها ونسقها يختلفان من بلد لآخر بحكم الإمكانات المادية وبصورة خاصة التوجهات الطبقية للنخب الحاكمة إخلاءات و اخفقات عديدة وخطيرة. فشلت هذه النخب في بناء الدولة العصرية، وتحولت الدولة الوطنية بسرعة مذهلة إلى دولة استبدادية فظهرت النظم الفردية-العشائرية-الجهوية وصاحب ذلك تفاوت اجتماعي و فساد مالي كبير وتبعية مزرية، وفشلت أغلب هذه النخب في بناء اقتصاد وطني مصنع وفي توزيع عادل للثروات وفي تحقيق الحرية ورغم القمع الغاشم تمت الانقلابات العسكرية وتفجرت الحروب الأهلية وتزايد التدخل الأجنبي باسم حقوق الإنسان والديمقراطية بتدخلات أجنبية. وتبقى بروز الحركات الاجتماعية الاحتجاجية أهم عامل ايجابي .
كلمتي الأخيرة إنني متفائل رغم السحب الدكناء التي تلبد أجواء إفريقيا، هناك مؤشرات بأن دول مثل جنوب إفريقيا ونيجيريا والجزائر ومصر بحكم إمكاناتها وطبيعة نخبها يمكن ان تتحول إلى دول قوية قادرة على أن تشكل قاطرة لباقي الدول القريبة منها ثقافيا وجغرافيا لمساعدتها على تطوير ذاتها. لقد انتهت سنوات تهميش إفريقيا ويكفي التدليل على ذلك ما تحققه من نسب نمو عالية في حين تتقهقر تلك النسب في البلدان الغربية التي هرمت ساكنتها وعبث بها الأزمات باقتصاديتها. لقد شارفت سنوات الانحطاط والردة والتهميش على النهاية ، الآن يجب العمل على مخطط لبناء علاقات عربية-عربية وعربية-افريقية.
*طاهر شقروش مدير “المعهد المغاربي للدراسات الإستراتيجية”، باحث في العلوم الاجتماعية اختصاص قضايا الحركات الاجتماعية الاحتجاجية، له عديد المقالات والرسائل الجامعية في هذا المجال. كما أنه وجه يساري من قادة (منظمة آفاق – العامل التونسي) و قادة الحركة الطلابية وحركة حقوق الإنسان وهو أيضا سجين سياسي سابق.
-السلطة تكليف يسحب هذا التكليف متى أصبح القائم به غير قادر على الاضطلاع به- الحركات الدينية المتشددة تفرخ حركات ارهابية ثم تدعو القوى الاستعمارية لمقاومتها- اليسار هو سبيل الخلاص للجماهير في إفريقيا- الجزائر أصبحت لاعبا كبيرا في افريقيا واحتضنت كل حركات التحرر الافريقية- الجزائر شطب كل ديون البلدان الإفريقية- المغرب تقوم بسياسة تجارية مهمة وقوية في إفريقيا- دول مثل جنوب إفريقيا ونيجيريا والجزائر ومصر بحكم إمكاناتها وطبيعة نخبها يمكن ان تتحول إلى دول قوية قادرة على أن تشكل قاطرة لباقي الدول- لئن جاز الحديث عن إستراتيجية عربية تجاه افريقيا فهي إستراتيجية داعش