Poster un commentaire

Syrie: د. هيثم مناع لـ « الأخبار »: لا نقبل بإملاء « مجلس وطني » على الديمقراطيين؟


ـ لم يكن هناك أي خلاف إلى غاية اجتماع برلين الأخير. كان الدكتور برهان غليون قد وعد بحضور اجتماع « هيئة التنسيق الوطنية » في برلين. وكنا في انتظار وصوله. وإذا به يغيّر مساره باتجاه إسطنبول، من دون أي اعتذار أو تفسير أو إشعار. ومنذ ذلك اليوم، لم أتحدث معه ولم يتحدث معي. وأعتقد أن الأمر يحتاج إلى شرح وتفسير من قبل الدكتور برهان غليون، لنفهم لماذا يجب أن نقدّم كل تلك التنازلات التي مُنحت إلى التيار الديني في إسطنبول، ونحن في دولة تضم 26 دينا ومذهبا وطائفة وقوم. أي دولة لا يمكن تناول العلاقة بين الدين والدولة فيها بشكل سطحي وأطروحات إيديولوجية إسلامية. الثورة السورية الكبرى، سنة 1925، قامت على أساس أن « الدين لله والوطن للجميع

د. هيثم مناع لـ « الأخبار

مقابلة

د. هيثم مناع لـ « الأخبار »: لا نقبل بإملاء « مجلس وطني » على الديمقراطيين؟


باريس ـ عثمان تزغارت

الدكتور هيثم مناع واحد من أبرز رموز المعارضة السورية. هذا الناشط الحقوقي العلماني لعب في نهاية التسعينات دورا مركزيا في المصالحة بين حركة الإخوان المسلمين وبقية قوى المعارضة السورية. لكنه اليوم يرفض الانضمام إلى « المجلس الوطني »، الذي انبثق مؤخرا عن « لقاء إسطنبول »، بسبب هيمنة التيار الإخواني عليه. لكنه يوضح بأنه لا يعادي الإسلاميين، الذين يعدّهم « جزءا من الجغرافيا السياسية للمنطقة العربية »، بل يعترض على الإسلاميين الموالين لأمريكا، الذين يسميهم « نادي واشنطن السوري »، ويتّهمهم بالعمل من اجل استنساخ التجربة الجلبية في العراق، للزج بالانتفاضة السورية نحو التسليح والتدخل الأجنبي، وفق سياريو شبيه بـ « الثورة الليبية ».

في هذه المقابلة يتحدث د. هيثم مناع عن الدور الروسي، وعن مبادرة موسكو التي اقترحت اسمه رئيسا لحكومة انتقالية في سوريا. كما يكشف أيضا عن أسباب الخلاف بينه وبين رفيق دربه الدكتور برهان غليون، بسبب انضمام الأخير إلى « لقاء إسطنبول »، الذي يعتبره نقضا للوثيقية التوفيقية، التي تم التوقيع عليها في الدوحة، من قبل مختلف فصائل المعارضة السورية.

ـ ما هي أسباب تحفظك على مؤتمر إسطنبول الأخير؟ ولماذا رفضتَ الانضمام إلى « المجلس الوطني » المنبثق عنه، والذي أُريد له أن يكون هيئة تمثيلية وموحّدة للمعارضةالسورية؟

ـ هذا المجلس جاء بمبادرة من مجموعة محدودة ذات هوية مرتبطة بإيديولوجية واحدة. وهي لم تكن مفوَّضة لا من القوى السياسية المعارضة، ولا من الحركة الشبابية في الداخل. وقد بدأت هذه المجموعة في الترويج طوال 55 يوما لضرورة تأسيس مجلس كهذا، على أساس أنه مجلس سيُخرج شباب الثورة من الأزمة، ويحلّ كل مشاكلهم، ويمدّهم بالمساعدات المادية وبالاعتراف الدولي والحظر الجوي… الخ. لقد عشنا، على مدى شهر ونصف، محاولات واضحة لإدخال المفردات الليبية إلى الثورة السورية. والذين قاموا بذلك هم مجموعة من المحترفين، لا ينتمون إلى قوى سياسية معروفة، وهم يسمّون أنفسهم بـ « المستقلّين » أو بـ « التيار الإسلامي المستقل ». وهذه المجموعة سعت منذ البداية لفرض خريطتها على الجميع. وقد فشلت في أول وثاني محاولة لها في إسطنبول. ثم كان هناك مسعى مشترك من القوى السياسية الكبيرة لتشكيل « ائتلاف وطني سوري » يضم القوى السياسية الفعلية. لكن تلك المجموعة سعت لإفشال وإضعاف هذا الائتلاف، عبر استمالة بعض أعضائه وضمّهم إلى « المجلس الوطني »، بحجة أن الصعوبة ـ كما تردّد هذه المجموعة منذ 55 يوما ـ تكمن في تشكيل « المجلس الوطني »، ثم سيعترف بنا العالم كله، وسنحقّق المعجزات لاستمرار الثورة وإنجاحها وتعزيز دور الشباب فيها.

عملية بيع الوهم هذه رافقت محاولات لفرض الوصاية على العمل الكلي التوافقي بين مختلف التيارات السياسية. وتُرجم ذلك من خلال إعطاء « المجلس الوطني » لونا إيديولوجيا محدّدا، حيث مُنح الإسلاميون بمختلف أطيافهم حجما كبيرا يفوق حجم تمثيلهم الطبيعي، ويصل إلى 60 بالمائة من مجموع أعضاء المجلس. كل هذه المسائل نعتبرها ممارسات غير ديمقراطيةوغير شفافة. ولا يمكن أن نعطي المثل في معركتنا من أجل التغيير الديمقراطي بمسالك مؤامراتية، غير ديمقراطية، وانتقائية بالشكل الذي حدث. لذا، فأنا شخصيا رفضتُ أن أشارك في النقاشات التي حدثت في إسطنبول. و »هيئة التنسيق الوطنية » التي أنتمي إليها تعتبر أن ما جرى لا يمكن أن يكون مثالا لتجربة ديمقراطية تعطي صورة إيجابية للمجتمع السوري وللمجتمع الدولي عما يريده الحراك الشعبي بخصوص بناء جسم سياسي موحد يعبّر عنه أو يكون جزءا من عملية التعبير عنه.

أضف إلى ذلك أن هذا المجلس ينقصه التواضع، لأن من شكّله يعلن أنه يمثل الأغلبية والثورة والتنسيقيات، ويزعمون أنهم سينقذون الأوضاع، وسيغيِّرون مجرى التاريخ. وهذه المسألة ستنعكس عليهم حتما بشكل سلبي، عندما سيكتشف الناس حجمهم الحقيقي وسقفهم التمثيلي وإمكانياتهم المتواضعة. مع احترامي لبعض من اتبع هذا الخط.

ـ ألا تعتقد أن إسناد رئاسة هذا المجلس إلى شخصية ذات مصداقية مثل الدكتور برهان غليون يشكل ضمانة أخلاقية كفيلة بتحصين  المجلس من الانسياق نحو أطروحات من قبيل العسكرة والتدخل الأجنبي؟

ـ لقد قلتُ مرارا، وبالأخص خلال زياراتي الأخيرة إلى تونس، بأن الثورة التونسية منحتنا ثلاثة مبادئ أساسية. الأول هو الطابع السلمي للثورة. والثاني هو غياب الصنم، فليس لدينا أصنام أو زعامات فردية، بل حلول ديمقراطية في فرق عمل تفكر بشكل جماعي وبعقل جماعي، وفق آليات تفكير جماعية وشعبية تحترم طاقات الأشخاص ولكن تحدد من سلطاتهم وتراقب أداء الجميع. أما المبدأ الثالث فيتمثل في مدنية الحراك الاجتماعي. هذا الثالوث بالنسبة لي راهن الحضور بالنسبة لسوريا. ونحن لا نعتقد بأن شخصا واحدا، أيًّا كان هذا الشخص، يمكن أن يشكّل نوعا من الدرع الواقي من الأخطاء، خاصة وقد تقلبت مواقفه عدة مرات في أيام. نحن نريد الخروج من الديكتاتورية الفردية للحكام العرب، ولا يُعقل أن نكرّس الديكتاتورية والفردانية في سلوكنا، خاصة وأننا لم نصل بعد إلى تغيير أي مؤسسة من مؤسسات الدولة.

ـ لقد جمعتك بالدكتور برهان غليون صلات وثيقة، وتوافقتهما منذ بداية الحركات الاحتجاجية في سوريا على سلمية الثورة وطابعها العلماني. ما هي أسباب الخلاف الذي برز مؤخرا بينكما، حيث انضم هو إلى رئاسة « المجلس الوطني »، بينما تمسكت أنت بـ « هيئة التنسيق الوطني »؟

ـ لم يكن هناك أي خلاف إلى غاية اجتماع برلين الأخير. كان الدكتور برهان غليون قد وعد بحضور اجتماع « هيئة التنسيق الوطنية » في برلين. وكنا في انتظار وصوله. وإذا به يغيّر مساره باتجاه إسطنبول، من دون أي اعتذار أو تفسير أو إشعار. ومنذ ذلك اليوم، لم أتحدث معه ولم يتحدث معي. وأعتقد أن الأمر يحتاج إلى شرح وتفسير من قبل الدكتور برهان غليون، لنفهم لماذا يجب أن نقدّم كل تلك التنازلات التي مُنحت إلى التيار الديني في إسطنبول، ونحن في دولة تضم 26 دينا ومذهبا وطائفة وقوم. أي دولة لا يمكن تناول العلاقة بين الدين والدولة فيها بشكل سطحي وأطروحات إيديولوجية إسلامية. الثورة السورية الكبرى، سنة 1925، قامت على أساس أن « الدين لله والوطن للجميع ». واليوم، في غياب دور فاعل للأقليات، نحتاج إلى خطاب مدني يعطي الثقة لتلك الأقليات. الشعب السوري شعب مؤمن، لكنه لا يريد أي لون إيديولوجي ديني يؤثر على دستوره وعلى مستقبله، ويريد ضمانات متساوية للجميع من أجل أن تكون سوريا لكل أبنائها. وأنا حتى الآن لا أعرف ما الذي حدث بالضبط. وكنت أتمنى ألا  يسير الدكتور برهان غليون في هذا الخط. بعد مجزرة حماه قال منظر الإخوان المسلمين سعيد حوا يشرح أسباب فشل الطليعة المقاتلة: « الشعب السوري يحب الحرية والجمهورية والديمقراطية »، نتمنى أن لا ينسى البعض هذا الدرس.

ـ البعض يتساءل هل اعتراض الدكتور هيثم مناع هو على وجود الإخوان المسلمين في « المجلس الوطني »؟ أم على حجم التمثيل الذي مُنح لهم في هذا المجلس؟

ـ من المعروف أنني كنتُ من أهم العناصر التي عملت على عودة الإخوان المسلمين إلى حظيرة العلاقات الطبيعية مع باقي الأحزاب السياسية الوطنية في سوريا. وساعدتُ على مصالحتهم مع العديد من القوى السياسية وكنت من أهم المدافعين عن ضحاياهم في سجون الدكتاتوريات. بالتالي ليست لديَّ أي مشكلة معهم، وأعتبرُ أن التيار الإسلامي جزء من الجغرافيا السياسية في كل بلدان العالم الإسلامي وليس فقط في سوريا. لكنني أعتقد أن حجم الإخوان لا يتعدى في أحسن الأحوال 10 بالمائة في المجتمع السوري. ولا أفهم لماذا يتنطحون لنسبة أكبر من التمثيل، بحكم حضورهم الكبير في الخارج، رغم أنهم يدركون جيدا أن وجودهم في الداخل ليس بتلك القوة. وكنتُ أتمنى أن يكونوا من الحكمة والعقلانية، لينتبهوا بأنه ليس من صالحهم ولا من صالح الثورة أن يكونوا طرفا في فزّاعة غير واقعية تتعمد المبالغة في تضخيم دورهم في الانتفاضة السورية، السلطة الدكتاتورية هي التي تضخم دورهم وهم يخدمونها بتضخيم هذا الدور في الإعلام والمؤتمرات.

ـ لقد وصفتَ في إحدى تصريحاتك المجموعة التي أعدّت لقاء أسطنبول بـ « نادي واشنطن السوري ». وهناك حديث عن تمويل أمريكي لهذا اللقاء. ما هي برأيك دوافع هذا التمويل؟ وهل تعتقد أنه مرتبط بأجندة سياسية معنية؟   

ـ الإدارة الامريكية خسرت معركتها مع « حزب الله » في لبنان، وخسرت معركتها مع إيران بخصوص النووي، وهي تعوّل الآن على تحويل الثورة السورية إلى نوع من الحرب بالوكالة ضد الدور الإيراني في المنطقة. ولا يخفى على أحد أن أمريكا لا تريد على الإطلاق دعم ثورة تهدف إلى التغيير الديمقراطي المدني في المنطقة العربية. الثورة الديمقراطية السورية ثورة بالأصالة لا حرب بالوكالة. كان هناك بشكل مؤكد تمويل أمريكي، رسمي وغير رسمي، لمجموعة إسطنبول. وكان هناك أيضا تمويل خليجي. لكننا نؤمن بأن المال لا يصنع الثورات. المال يمكن أن يؤثر سلبا في الثورة، ويعزز الوصولية والتآمر في طريقها، ويُضعِف دور المناضلين الفعليين في مراحل معينة. لكن المال لا يمكن له أن يغيِّر مجرى التاريخ…

ـ هل تعتقد أن التمويل الأمريكي للقاء إسطنبول كان مشروطا بإملاءات محدّدة؟

ـ لا أعتقد ذلك. التمويل حاليا، سواء كان أمريكيا أو خليجيا، ليس مرتبطا بشروط آنية ومباشر، بل يتخذ شكل استثمار على الولاء المستقبلي. لذا فهو معروض على كل الأطراف السورية التي تبدي قبولا لتلقي تمويل مثل هذا…

ـ ماذا عن الدور الروسي؟ لقد كانت لكم زيارات واتصالات متعددة مع السلطات في موسكو. هل يمكن أن نعرف فحوى تلك الاتصالات؟

ـ أعتقد أن الدول التي تحتفظ بعلاقات جيدة مع السلطات السورية يمكن أن تلعب دورا أساسيا وفاعلا. وخاصة الدول التي لها علاقة اقتصادية وسياسية قوية مع النظام، في ظروف العقوبات الاقتصادية والسياسية المفروضة عليه من قبل المجتمع الغربي. من هنا حرصنا كثوار على فتح قنوات اتصال مع جنوب إفريقيا والبرازيل وفنزويلا والهند وروسيا والصين. نحن نتواصل مع كل هذه الدول، وليس مع موسكو فحسب. لكن الدور الروسي برأينا له أهمية خاصة جدا. فالعلاقات الروسية ـ السورية ضاربة في القدم، وتعود إلى ما قبل المسيح. وهناك علاقات وثيقة مع الكنيسة الأرثوذكسية، وكانت العلاقات حسنة أيضا مع الاتحاد السوفيتي سابقا. لذا، هناك حاليا علاقات طيبة وقوية بين الشعبين. بالتالي نحن نحرص على أن يكون للثوار وللحركة الديمقراطية المدنية علاقات جيدة مع روسيا. وخلال اتصالاتنا، كنا نقول دوما للسلطات الروسية بأنه ليس من صالحها أن تضع كل بيضها في سلة واحدة، وأن تقف في صف السلطة، بل يجب أن تستمع لوجهة نظر الثوار، وأن تتعاون معهم، من أجل مستقبل العلاقات بين البلدين والشعبين.   

ـ هناك مبادرة روسية طُرح فيها اسم الدكتور هيثم مناع كرئيس لحكومة انتقالية في سوريا. ما موقفكم من ذلك؟

ـ نحن وصلتنا بالفعل أخبار عن ذلك المقترح. وهو مقترح فيه نقاط غموض عديدة. بالنسبة لي شخصيا، لا أعتقد أن الوقت حاليا هو وقت تشكيل حكومات، بل الوقت هو وقت حماية الثورة وحماية المواطن السوري. لذا، فقبل أن نناقش أي مقترح من هذا النوع، لا بد من ضغط روسي على الحكومة السورية لوقف الحل الأمني، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، والسماح للحركة الاجتماعية المدنية بالتعبير عن نفسها بحرية. عندئذ فقط سنكون مستعدين للنظر فيما يمكن أن يقدّمه الروس من مقترحات.

ـ هل تعتبر أن لقاء إسطنبول و »المجلس الوطني » الذي انبثق عنه يشكّلان خرقا للوثيقة التوافقية التي تم توقيعها بين مختلف تيارات المعارضة السورية في الدوحة؟

ـ إسطنبول كانت بمثابة إلغاء نهائي لما جرى التوافق عليه في الدوحة. فقد تم الاتفاق في الدوحة بأن يكون « الائتلاف الوطني السوري » هو المنظم الأساسي للمساعي الهادفة لتشكيل « مجلس سياسي سوري » لاحقا. وتم التوافق بأن ذلك سيتم بعد أن تتشكل قيادة للائتلاف الوطني تضم أهم القوى السياسية. على أن تمثل تلك القيادة أساسا، وبنسبة عالية، القوى الموجودة بشكل فعلي داخل القطر.

لكن هذه المسألة التي توافقنا عليها في الدوحة، تم التحايل عليها لاحقا، عبر إعادة الروح إلى لقاءات إسطنبول، بعد فشل محاولتين سابقتين، من خلال استقطاب بعض الأطراف الضعيفة التمثيل في الداخل، سواء تعلق الأمر بالإخوان المسلمين، الذين يقتصر دورهم في الثورة، أساسا في الصناعة الإعلامية وإرسال المساعدات، أو بـ « إعلان دمشق »، الذي لم يعد بتلك القوة التي عُرف بها في السابق، فضلا عن كون أهم مثقفي « إعلان دمشق » هم اليوم في « هيئة التنسيق الوطنية »، ولم ينضموا إلى إسطنبول.

هذه الاعتبارات هي التي جعلت الأطراف التي انضمت إلى لقاء إسطنبول تأخذ حصصا كبيرة في « المجلس الوطني »، رغم ضعف حجمها التمثيلي في الداخل. وذلك لاستخدامها كواجهة لتبرير الححص المبالغ فيها أيضا، التي مُنحت إلى بعض الأطراف الأخرى التي تعد مطمئنة للغرب. وكل جاء ذلك على حساب الصوت الوطني الديمقراطي الأقوى. وأنا لا أعتقد أن مسعى كهذا يمكن أن يذهب بعيدا. ولكن، علينا أن نتحمّل فترة « العرس الإعلامي » الذي يرافق مثل هذا الحدث. بعد ذلك ستتضح الأشياء حتما، وستعود الأمور إلى حجمها وسياقها الطبيعي…

ـ هل يكمن الخلاف بين لقاء اسطنبول ولقاء الدوحة فقط في إسلوب تشكيل الهيئات التمثيلية للمعارضة؟ أم هل هناك خلافات أخرى أعمق تتعلق بالمناهج والاستراتيجيات والبرامج السياسية المشتركة التي تم التوافق عليها؟

ـ في الدوحة كان هناك 25 شخصيا، بينهم 3 أشخاص فقط أيّدوا فكرة تشكيل مجلس وطني فورا، وهم أحمد رمضان وعماد الدين رشيد وعبيدة النحاس. وهناك شخص رابع كان غائبا لحظة مناقشة هذه النقطة، وهو عبد الباسط سيدا، الذي كان من الأصل ضمن مجموعة إسطنبول. الباقين كلهم كانوا مع الوثيقة التي تم إقرارها بخصوص تشكيل ائتلاف وطني يجمع القوى السياسية الأساسية في سوريا. وتلك الوثيقة كانت أول وثيقة للمعارضة تم توقيعها من قبل مثل ذلك العدد الكبير من ممثلي مختلف التيارات السياسية التي  شملت كل ممثلي « إعلان دمشق »، وكل ممثلي « هيئة التنسيق الوطني »، وحركة الإخوان المسلمين.

برغم الإجماع والتوافق الذي حظيت به تلك الوثيقة، تم الالتفاف عليها لاحقا، بتدخل قوى خارجية، من أجل إحياء الصيغة الأولية التي قامت عليها محاولات إسطنبول الأولى الفاشلة. ونجحوا من خلال اللقاء الأخير في فرض تلك الصيغة كنوع من الأمر الواقع على الجميع، بفضل عمليات تجميلية معنية لإخراجها إلى العلن بشكل مقبول، حيث كان لا بد من منح دور لبرهان (غليون) ومجموعته، ولبعض الأشخاص الآخرين. لكنهم في « المجلس الوطني » لم يحصلوا على عدد كاف من الوجوه الديمقراطية المدنية. وتلك هي الإشكالية الاساسية التي يواجهها هذا المجلس في تركيبته، حيث هناك نسبة طاغية من الإسلاميين تفوق بكثير حجم وجودهم السياسي والمجتمعي، وغياب للشخصيات الديمقراطية الكاريزمية داخل وخارج الوطن.

ـ على صعيد الموقف من التسليح والتدخل الأجنبي، هل هناك تباين بين وثيقة الدوحة ولقاء إسطنبول؟

ـ نحن عملنا دائما على بلورة مبادئ أساسية تتوافق عليها كل قوى المعارضة. وبدأنا بذلك من خلال إعلان « عهد الكرامة والحقوق »، الذي طرح في 17 أيلول كنص فوق دستوري يضم المبادئ الاساسية للجمهورية السورية الثانية. وذلك ما لا يوافق عليه بالتأكيد قسم كبير من الإسلاميين. لذا، فقد تم تغييب هذا النص الأساسي في « المجلس الوطني »، وتمت الاستعاضة عنه بنص إعلاني فضافاض وغير تأسيس. النص الإعلاني لـ « المجلس الوطني » لا يقوم على برنامج سياسي واضح، كل الأمور تُركت غامضة ومبهمة. بحيث أن كل شخص يفسر إعلان إسطنبول على طريقته. واحد يتحدث عن تدخل عسكري، وواحد عن تدخل إنساني، وآخر يقول لا تدخل خارجي بأي شكل من الأشكال. أما بالنسبة لنا، فبرنامجنا واضح، ولاءاتنا واضحة، ومطالبتنا بإسقاط النظام واضحة. وكل هذه المسائل تم التوافق عليها، ولم يكن حولها أي لبس أو خلاف.

ـ كيف ترى وضع المعارضة الآن. فهناك « المجلس الوطني » المنبثق عن إسطنبول، و »هيئة التنسيق الوطني » التي تتمسكون بها، و »لجان التنسيق المحلية » في الداخل. هل تعتبرون هذا التعدد شكلا من أشكال التنوع الديمقراطي؟ أم هل يكرس التفرقة ويضعف صوت المعارضة؟

ـ الثورة الجزائرية نجحت رغم وجود « حركة التحرير الجزائرية » و »جبهة التحرير ». وذلك يعني أن الوحدة من أجل الوحدة ليست برنامجا منطقيا وعقلانيا للتغيير. ولا يمكن أن نقبل بالتوحّد على أي أساس كان، لمجرد  الحرص على الوحدة. الأساس هو البرنامج السياسي والأرضية التوافقية المشتركة. نحن نرى بأن هذه ليست هناك مشكلة. من حقهم (الذين انضموا إلى « المجلس الوطني ») أن يجربوا، ليروا بأنفسهم إلى أين يمكن أن تذهب هذه التجربة. أما نحن، فنرى أن واجبنا اليوم هو تكوين قطب وطني ديمقراطي مدني قوي.

إلى حدّ الآن، الحضور الإسلامي هو الغالب والمسيطر، سواء في تنظيم المؤتمرات في الخارج وتمويلها، أو في التحركات الإعلامية، وخاصة في ظل الإعلام الخليجي المهيمن، أو في المجالس المختلفة التي تشكلت، ومنها ما فشل وما بقي قائما حتى الآن. كل ذلك جعل الإسلاميين أكثر بروزا، ومنحهم حضورا يفوق حجمهم الحقيقي. لذا، يجب أن نعطي الوقت للبناء الداخلي، من أجل تشكيل قطب ديمقراطي مدني قوي، لأن هذا القطب هو الضمانة الوحيدة لنجاح الثورة. الثورة إذا تأسلمت ستفشل، وإذا تطيَّفت ستفشل، وإذا تعسكرت ستفشل…

Votre commentaire

Entrez vos coordonnées ci-dessous ou cliquez sur une icône pour vous connecter:

Logo WordPress.com

Vous commentez à l’aide de votre compte WordPress.com. Déconnexion /  Changer )

Image Twitter

Vous commentez à l’aide de votre compte Twitter. Déconnexion /  Changer )

Photo Facebook

Vous commentez à l’aide de votre compte Facebook. Déconnexion /  Changer )

Connexion à %s

%d blogueurs aiment cette page :